التحركات المصرية والتركية في الصومال- تعاون استراتيجي جديد؟

المؤلف: سمير العركي10.12.2025
التحركات المصرية والتركية في الصومال- تعاون استراتيجي جديد؟

في تطور لافت، حطّت قوات مصرية قوامها عشرة آلاف جندي في الأراضي الصومالية؛ بهدف دعم الأمن والاستقرار في المنطقة. نصف هذه القوات سيعمل بتوجيه من بعثة الاتحاد الأفريقي "أميصوم"، بينما سيتمركز النصف الآخر على مقربة من الحدود الإثيوبية، مما يعكس اهتمامًا مصريًا متزايدًا بالأمن الإقليمي.

يمثل هذا التدخل العسكري المصري تحولًا ملحوظًا في السياسة الخارجية المصرية، التي اتسمت تاريخيًا بالحذر والابتعاد عن مناطق الصراع، إلا في إطار مشاركات أممية أو إقليمية. هذا الانتشار يعكس تقديرًا جديدًا للدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في تحقيق الاستقرار في القرن الأفريقي.

في غضون هذا العام، استقبلت القاهرة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في زيارتين رسميتين، أسفرتا عن تعزيز العلاقات الثنائية وتوقيع بروتوكول للتعاون العسكري. هذه الخطوة تؤكد الروابط التاريخية الوثيقة بين البلدين وتطلعهما نحو مستقبل أكثر تعاونًا.

تتزامن هذه التحركات المصرية مع نشاط تركي ملحوظ في الصومال والمنطقة، بما في ذلك إثيوبيا، وهو ما يطرح تساؤلات حول التنسيق والتعاون المحتمل بين القاهرة وأنقرة في هذه المنطقة الحيوية.

يأتي إرسال القوات المصرية في أعقاب إعلان إثيوبيا عن بدء الملء الخامس لسد النهضة في يوليو الماضي، وهو ما أثار توترات جديدة بين القاهرة وأديس أبابا، نظرًا لما لهذا السد من تأثير على حصة مصر من مياه النيل.

الملء الجديد، الذي أضاف 23 مليار متر مكعب من المياه إلى الخزان، فاقم الخلافات القائمة، و دفع مصر إلى تقديم احتجاج رسمي إلى مجلس الأمن الدولي، مؤكدة رفضها القاطع للإجراءات الأحادية الإثيوبية التي تتعارض مع قواعد القانون الدولي.

تثير هذه التطورات المتسارعة في منطقة القرن الأفريقي تساؤلات مهمة حول إمكانية التعاون المصري التركي في الصومال، وبشكل أوسع، حول إمكانية أن يكون هذا التعاون نواة لشراكة إستراتيجية بين البلدين في ملفات أخرى ذات أهمية، مثل القضية الفلسطينية والأزمة السودانية والوضع في ليبيا.

التموضع التركي

قبل الخوض في تفاصيل التعاون المصري التركي المحتمل في الصومال، يجب تسليط الضوء على الدور التركي المتميز في كل من الصومال وإثيوبيا. فمنذ وقت مبكر، أولت تركيا اهتمامًا خاصًا بهذه المنطقة الإستراتيجية، واستخدمت مواردها العسكرية والاقتصادية، بالإضافة إلى قوتها الناعمة، لتعزيز نفوذها وتأثيرها.

قامت تركيا بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الصومال في بداية الألفية الحالية، وافتتحت في مقديشو أكبر سفارة لها في الخارج، كما أقامت هناك قاعدة عسكرية ضخمة، تستخدم لتدريب وتأهيل الجيش الصومالي وقوات الأمن، وتقديم المساعدة في مكافحة التنظيمات الإرهابية.

تُوّجت هذه العلاقات بتوقيع اتفاق دفاعي وأمني شامل بين البلدين في العام الجاري، يسمح للقوات التركية بتوفير الحماية للأراضي والمياه الصومالية، ويمنح الشركات التركية تراخيص للتنقيب عن الثروات المعدنية في المياه الاقتصادية للصومال. هذه الاتفاقية تعكس عمق التعاون والثقة المتبادلة بين البلدين.

أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن هذه الاتفاقية تهدف إلى إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين البلدين لحماية السواحل والمياه الإقليمية الصومالية واستثمار مواردها البحرية لمدة عشر سنوات، وبعدها ستتولى القوات البحرية الصومالية هذه المهمة. هذا يؤكد التزام الصومال بتعزيز قدراته الدفاعية والاستعداد لتحمل مسؤولية حماية سيادته.

على الجانب الآخر، تحافظ تركيا على علاقات إستراتيجية وطيدة مع إثيوبيا، تمتد جذورها إلى أكثر من قرن مضى، وتشمل اتفاقيات أمنية وعسكرية ومالية متنوعة. وقد قدمت أنقرة دعمًا كبيرًا لأديس أبابا في صراعها ضد المتمردين في إقليم تيغراي، معبرة عن تضامنها مع الحكومة الإثيوبية في مواجهة التحديات الداخلية.

عبّر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن امتنانه للدعم التركي، مؤكدًا أن إثيوبيا لن تنسى أبدًا التعاون الذي قدمته تركيا في الأوقات الصعبة. هذا يعكس تقدير إثيوبيا للدور الذي تلعبه تركيا كشريك موثوق به.

هذه العلاقات المتميزة التي تربط تركيا بالصومال وإثيوبيا، مكنت أنقرة من لعب دور الوسيط بينهما، حيث نجحت في الجمع بين وزيري خارجية البلدين في جولتين من المفاوضات بهدف تخفيف التوتر وتسوية الخلافات. هذا الدور يعكس قدرة تركيا على بناء الثقة والجسور بين الأطراف المتنازعة.

وإلى جانب هاتين الدولتين، تربط تركيا أيضًا علاقات وثيقة مع جيبوتي، تشمل اتفاقيات عسكرية ومالية، مما يعزز من نفوذها ودورها في منطقة القرن الأفريقي.

التعاون التركي المصري

في ظل هذا النشاط التركي المكثف في منطقة القرن الأفريقي، من المرجح أن تكون التحركات العسكرية المصرية في المنطقة قد تمت بالتنسيق مع تركيا، لتجنب أي تضارب في المصالح، خاصةً في ظل التحسن المستمر في العلاقات بين البلدين، وإعادة تفعيل مجلس التعاون الإستراتيجي المشترك، وزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة للمرة الأولى منذ توليه الرئاسة. هذا يعكس إرادة سياسية مشتركة لتعزيز التعاون والتنسيق في مختلف المجالات.

في إطار التعاون بين البلدين، يبرز ملف سد النهضة كأحد الأولويات الرئيسية. فمنذ وصول القوات المصرية إلى الصومال، تصاعدت التكهنات حول إمكانية تحول النزاع المصري الإثيوبي إلى صراع مسلح.

وقد ساهمت التصريحات الإثيوبية في تأجيج هذه التكهنات، حيث حذر بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية "قوى (لم يسمها) تحاول تأجيج التوتر لتحقيق أهداف قصيرة الأجل"، مؤكدًا أنها "ستتحمل عواقب وخيمة".

ومع ذلك، يبقى احتمال نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا انطلاقًا من الأراضي الصومالية أمرًا مستبعدًا، لأسباب سياسية ولوجستية. والأهم من ذلك، هو أن سد النهضة قد أصبح واقعًا، ومن الصعب تصور تدميره في ظل مساهمة العديد من الدول في تمويله. هذا يرجح خيار الدبلوماسية والحوار لحل الخلافات القائمة.

وبناءً على ذلك، يبدو أن التفاوض بشأن ضمان حصة مصر من المياه دون نقصان هو الخيار الأمثل والأكثر منطقية، وأن القاهرة تسعى إلى تحقيق ذلك من خلال الضغط الناجم عن وجود قواتها بالقرب من الحدود الإثيوبية. هذا يبرز أهمية الدور التركي في تقريب وجهات النظر بين البلدين، نظرًا لعلاقاتها المتميزة معهما.

تتفق تركيا ومصر أيضًا على ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي الصومالية، وعدم الاعتراف بأي محاولات انفصالية من جانب ما يعرف بـ "أرض الصومال" أو "صوماليلاند"، التي أعلنت انفصالها في مايو 1991 ولم تحظ باعتراف دولي، باستثناء إثيوبيا التي عينت فيها سفيرًا في أغسطس الماضي. هذا الموقف المشترك يعكس التزامهما بدعم وحدة الصومال وسيادته.

لذلك، يتوقع الصومال من الحليفين الكبيرين أن يلعبا دورًا فعالًا في التصدي للدعم الإثيوبي للانفصاليين، مقابل تأجير أديس أبابا لميناء بربرة من "أرض الصومال" لأغراض تجارية وعسكرية، وهي الخطوة التي رفضتها القاهرة وأنقرة. هذا يؤكد أهمية التنسيق والتعاون بين تركيا ومصر في دعم الحكومة الصومالية وتعزيز الاستقرار في البلاد.

مستقبل التعاون المشترك

إن نجاح التعاون التركي المصري في الصومال يمكن أن يكون نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه التعاون بين البلدين في العديد من الملفات الإقليمية الأخرى ذات الحساسية العالية. هذا يفتح الباب أمام شراكة إستراتيجية أوسع وأكثر شمولية.

في مقدمة هذه الملفات، يبرز العدوان الإسرائيلي المستمر والمتصاعد ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة من العنف. يجب أن يتجاوز التنسيق بين تركيا ومصر الجانب الإنساني المتمثل في إيصال المساعدات، إلى اتخاذ خطوات فعالة لوقف الحرب وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. هذا يتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة وتنسيقًا وثيقًا مع الأطراف الإقليمية والدولية.

كما أن تفاقم الأوضاع في السودان نتيجة للصراع المسلح بين القوات الحكومية وقوات الدعم السريع يجب أن يدفع البلدين إلى العمل المشترك لوقف الحرب وتحقيق السلام، سواء من خلال جهود ثنائية أو داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. هذا يتطلب حوارًا شاملًا بين الأطراف السودانية المتنازعة والعمل على التوصل إلى حل سياسي مستدام.

وفي الملف الليبي، حيث تتمتع تركيا ومصر بنفوذ واضح، من الضروري التحرك نحو إنهاء الانقسام بين الشرق والغرب وتوحيد البلاد تحت مظلة حكومة منتخبة. هذا يتطلب دعمًا قويًا لجهود المصالحة الوطنية وتشجيع الحوار بين الأطراف الليبية المختلفة للتوصل إلى اتفاق على خارطة طريق سياسية واضحة.

وأخيرًا، فإن نجاح التعاون بين البلدين وتطوره سيسهم في إحلال الاستقرار في منطقة تعاني من الفوضى منذ أكثر من عقد من الزمان. هذا يتطلب رؤية إستراتيجية مشتركة وجهودًا متواصلة لتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة